وصيتي لنفسي
SR_inside_cut

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وأول ما أوصي به نفسي عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم  "ابدأ بنفسك ثم بأخيك ثم بالذي يليه".

وأوصي نفسي مخاطباً لها:

يا نفس استـقيمي على شرع الله، وحافظي على مراقبة الله، ولازمي على ذكر الله، واستديمي على مجالسة أولياء الله، واشتغلي دائماً بالله; حباً به، وشوقاً إليه، وعشقاً له، وهياماً بوصاله، وتولهاً بوحدانيته.

يا أيتها النفس: إنك إن سعدتِ بمجالسته، واطمأننتِ بذكره، وأنستِ بالحضور معه، فتلك نعمة منه إليكِ، وجذبة من جنابه لك ِ، فاشكري مولاكِ على ما أولاكِ من نِعَمٍ وحبور وعطاء وفضل.

يا نفس وإياك أن تُشْغَلِي عنه بغيره، فالكل فناء وهو البقاء، إياكِ أن تلتـفتي عنه إلى السِّوى فكل مخلوقٍ سواه سِوَى، فالوجود من عرشه إلى فرشه حجاب عنه، فإن التـفت إليه أو شُغلتِ به حجبت عن مولاكِ وابتعدتِ عنه.

وإياكِ أن تـتعلقي بلذةٍ أو نعيم فكل لذةٍ وكل نعيم ترينه هو لكِ حجابٌ عنه إلاّ إذا رأيتِه منه وبذلتِه إليه، ولو تمتعتِ برؤية الجنان وكُشِفَ لك الغطاء فشاهدتِ ما وراء الحجاب; فإياك أن تميلي إليه طرفةَ عين، فما هذا الوجود إلا ابتلاءٌ لكِ ليُظهِر حقيقةَ معرفتك وتوجُّهَك إليه، فإن كنت مستأنسةً به مشاهدةً لأنوارِه فوجهُه مأمولُك ورضاه مطلوبك، فافني به عن هذا الوجود فناءً سرمديا ًتتـقربي إلى ذاك الفِنا(1) تقرباً معنويا ً.

ويا نفس: إياكِ وعدم الرضا عن كل قضاء وقدر، وإياكِ أن تـشهدي لأحد تصرفاً إلاّ بإذنه، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه، سبحانه له الأمر وإليه المرجع، والأسباب كلها ظلٌ من تقديره، وإياكِ والغضب والسخط على أحد من عباد الله، فما المخلوقات في الحقيقة إلاّ مرآةٌ تُظهر حقيقتكِ مع الله وتـنطبع  فيها أحوالُكِ معه، فإن كنتِ معه مستـقيمةً استـقام معك الوجود، وإن كنت عنه منحرفة انحرفَ عنك الكون بما فيه. وإياكِ والضعف عن الأخذ بعزائم الشريعة، فالعزائم لأهل العزائم لذةٌ وطرب، وكفى بالغوص في معارف القرآن عزيمة، فمن غاص في أعماق أسرارِه وجد لآلئ حِكَمِهِ وجواهِرَ علمه، فهو بحر لغوص العارفين، وفيه تسير جَواري(2) الواصلين بهبوب نسيم أُنس المقربين، لترسو على شاطئ الآداب، ممتـثلة تـنفيذ المحبوبات، فارّة بجهدها من المكروهات. 

وإياكِ والتهاون في تطبيق السنّةِ المحمدية في الظاهر والباطن مع مشاهدة روح من سنَّها على كل عمل، ليكمل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وتيقني أنه إن لم تَسْرِ روحُ السنّة فيك سريانَ الدم في الخلايا فلستِ بصادقة في محبته صلى الله عليه وسلم. وتحقـقي أنّ كمالكِ في الدنيا ونجاتك في الآخرة بملازمتكِ الاتباعَ الصادق للحبيب ِ، فهو حياتُكِ وهدايةُ وجودِكِ، وسرُّ وصولكِ، وشريانُ اتصالك، واعلمي أنّ لك من الذوق للأسرار بمقدار ما يتم ارتباطُكِ به بالإسرار(3).

ويا نفس اتـقي الله في السر والعلن والمنشط والمكره، وراقبي الله في الظاهر والباطن وخافي من الله عند وجود صالح الأعمال خشية الرياء.

واستعيني وثـقي به على كل حال، واعتمدي وتوكلي عليه في الحال والمآل فهو نعم المولى ونعم النصير.

(1) الفِنا: هو الفِناء،وهو ساحة الدار أو ما حوله. (اللسان والقاموس والتاج: فنى).

(2)الجواري: السفن.

قال تعالى: ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ). (م:55:الرحمن-الآية:24).

(3)الإسرار: ضد الإعلان وهو السر.