وصيتي للوارث الروحي
SR_inside_cut

 


 
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الوارث الروحي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

تحقق بالتوحيد الخالص، نزِّه اللهَ في ذاته وصفاته، طهّر قلبك من لَوْثِ الأغيار، اكتب في لوح سرك حِكَم حكمة التوحيد بأن لا تـشهد لغير الله سبحانه وتعالى قُدرة في فعل من الأفعال لتحقق في نظرك أنّ القدرة المخلوقة في المخلوقين التي تـنتج عنها أفعالهم هي خَلقُهُ سبحانه () (1)، فهو وحده سبحانه له في الخلق وأفعالهم التصرف المطلق والحكم الأعم الأتم () (2) وإنّ () (3).

واعلم أنّ المحدَث لا يحيط بالمحدِث، فكل ما خطر ببالك هالك والله منزّه عن ذلك، وقد عرفنا القرآن العظيم حقيقة التوحيد، ففي كتاب الله وهو أصدق القائلين (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(4)، فكن معه في ظاهرك باتّباع شرعه، وفي قلبك وتـفكيرك ملازماً لمراقبته وخشيته.

أيها الوارث الروحي:

عظِّم شأن نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم، واستغرق كلك بمحبته ووصاله، واشغل لسانك بعد ذكر الله تعالى بذكره صلى الله عليه وسلم وكثرة الصلاة والسلام عليه. مُت فيه حباً، احيَ به أُنساً، فهو صلى الله عليه وسلم روحُ الصدّيقين ونبراسُ قلوب العارفين، نورُ الواصلين ومطافُ قلوب الموفّقين، سرُّ أسرار قلوب المقرّبين، ومددُ إمداد روح المرشدين، ونورُ كشف طريق السالكين، لذلك خذ سنّـتَهُ طريقاً مستـقيماً، ومنهاجَهُ سبيلاً قويماً، واتّباعه خلقاً كريماً، وإيّاك والانحراف قيد شعرة عن سنّتِهِ الكريمة وطريقته المستـقيمة، قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (5).

اعرف له الحق بمحبة آله الأطهار، وذريته السادة الأبرار، فهم معادن حاله ومظاهر جماله وكنوز كماله. واحفظه بأصحابه الكرام أئمة الدين الأعلام فهم وُرّاث حكمه، خزائن علمه، أمواج بحره، أعلام شرعه، وإياك وولوغ لسانك بأحد منهم، فهم أحباب الرسول الأعظم، من أحبّهم أَحَبّهُ، ومن أساء لأيٍّ منهم حُرم شفاعتَه صلى الله عليه وسلم.

اجتهد جهدك بأن تُحسِن الأدب معه صلى الله عليه وسلم باحترام خدّام شريعته أئمة الدِّين وعلماء المسلمين، أيّد أمناء سلطانه بإعزاز أوليائه رجال أحواله، اعرف لهم الحق واحتـفل بهم. وإيّاك وانتـقاصهم، قم بتطهير ساحاتهم من غبار الدخلاء وأقوال السفهاء فهم أهل الحق والرجال الذين خدموا الله تعالى ورسوله بالصدق بتبليغ الشرع وإقامة السنة، ونبذ البدع، فهم القرآن المنظور والسنة المتحركة، والإسلام في خُلُقه وجماله.

عزز مجد ولاة المسلمين، واحفظ بقلبك الحب والموالاة لأمراء المسلمين، وولاة أمور المؤمنين، أطعهم فيما أمر الله به، فُرَّ جهدك من كل قول وعمل ينتج منه شق عصا الأمة، فإن ذلك دأب المردودين وديدن المبعدين. وإيّاك ومنازعة أولي الأمر والتدخل في شؤونهم وسياستهم، ولا تجاهر بعيوبهم وتـقصيرهم، وإن أردت النصح لهم فاخْلُ بهم، وإيّاك أن تعتمد على أحد من خصومهم، ولا تسمع لأحد يذكر مثالبهم، واحفظ لسانك عنهم، فإنك بذلك تضمن كرامتك وتحفظ دينك.

وعليك بحب كل فرد من أفراد أمة الحبيب المصطفى، وأعطه حقه الذي وُهِب له من الحرمة والمنزلة. وأعِنِ المسلمين ما استطعت، وأشفق عليهم وارحمهم، وليأمَن كلٌ منهم بوائـقَك. أعط الكلَّ ما أعطاه لهم الشرعُ والشارعُ العظيم من التبجيل والتكريم، وحفظ الحرمة من كل تـنقيص باللسان أو القلب، وغض البصر عن عيوب الكل، وأصم سمعك عن تجريح أحد، واقض حاجةَ المحتاج وأسدل السترَ على كل خطَّاء، واترك الخلق لخالـقهم. 

حدّق بصرك وصحّح نظرك في أداء الحق الأعظم لأبويك، أعظم شأنهما، وبالغ في بِرِّهِما، أعظم شأن أبيك فسترى من بركة قلبه بشأنك العجائب، قم بإجلال منزلته حياً وميتاً.

 وأدِّ حق من جالسني ممن أحب أو صاحب أو انتسب فإن إكرامهم إكرام لي، واحفظ حقي، وأحكم بقلبك حبي، والزم بعدي أثري وحق عهدي، واسلك طريقي وانهج نهجي، فإن الله اختارني معراجاً لقلوب السالكين، وحبلاً لنجاة المتّبعين، ونفحة لأسرار المحبين، ومدداً لأرواح المخلصين.

ولا يعزب عنك أن هذا الطريق المؤيد بالشرع المطهر المسدد هو طريق بركة وعناية ووصال، حالهُ عطاءٌ إلهي، وشأنهُ مددٌ نبوي، باطنه لله، وظاهره لله، ولا يؤول إلاّ إلى الله، ولا يُعوَّل به إلاّ على الله.

وإنّ الزمان الذي أنت فيه لزمان تـنفجرُ منه العجائب، فربما يؤخذ بكلام العارفين إلى غير ما قصدوه، ويُراح بمعاني ألفاظهم غير ما عنوه وأرادوه، والمستعان بالله على كل حال. 

واعلم أنّ هذه الطريقة المباركة ذات أصول ثابتة من الكتاب والسنة، أعظمها صيانة جانب التوحيد، وإعظام شأن النبي صلى الله عليه وسلم العظيم القدر، وتوقير آله وأصحابه الكرام ومحبتهم، والثـناء عليهم، ومحبة أهل الحق، والموالاة لأولياء الله الكرام الذين والوا الله ورسوله، فأعزهم بولايته وجعلهم من أهل حضرته، فعليك بتعظيم أولياء الله، والتـقرب إلى الله بمحبتهم وموالاتهم، والتباعد عن أذيتهم، والجزم الخالص بأن الله يتـفضل على من أحبهم وتوسل بهم وبمحبة الله لهم والعون والعناية والبركة في النفس و الذرية. 

وأوصيك ثم أوصيك بقراءة الختم الشريف والملازمة عليه فإنّ فيه من السر اللطيف والفضل المنيف ما يحقق لكم كرامة الوصول بأرواح أولياء الله في الفروع والأصول، ويضمن لكم إمداد أرواحهم في الدنيا واللقاء بهم في الآخرة، والدخول في زمرتهم.

بذلك أوصيك يا من سرت فيك النسبة، وطافت حول قلبك النسمة، واللقاء بيننا على حوض المصطفى، فاصدق معنا وكن من أهل الوفا. أمدك الله بالعناية وأحاطك بالرعاية، وحفظك بالولاية، والسلام على من أخلَصَ، ومن الإهمال والغفلة تخَلَّص.

 

(1) (ك:37:الصافات-الآية:96).

(2) (م: 3 :آل عمران-الآية:40).

(3) (م:5:المائدة-الآية:1).

(4) (ك:42:الشورى-الآية11).

(5) (م:59:الحشر-الآية:7).