بسم الله
الرحمن
الرحيم
الحمد
لله القائل: ()(1)،
وقال:(َ) (2)،
ولما
كانت المرأة
محطّ تكريم
التشريع
الإلهي على
لسان النبي
صلى الله
عليه وسلم: "استوصوا
بالنساء
خيراً" (3)،
رأيت من
واجبي أن
أخصّ
المرأة
المسلمة بوصيتي
لأداء حقها
الشرعي
والاجتماعي
لتحقق المرأة
وظيفتها
الحياتية
محاطة بكل
كرامة
ومكانة ومجد
وعزّ ورفعة.
أختي
المرأة،
سواء كنت
أماً أو
أختاً أو
بنتاً أو
زوجةً:
اعلمي
يقيناً أنّ
الإسلام
اعتـنى بك
عناية فائـقة
لم يُول
الرجلَ
مثلها أبداً.
لقد قدّسك
الإسلام في
القرآن
العظيم حيث
جعل لك بين سُوَرِهِ
سورةً من
طوال السور
باسمكِ
خاصة،
ولحقوقكِ
سمّاها سورة
النساء الكبرى
وذكر في
أواسط السور
سورة خاصة
بحقوق المرأة
وضمان
كرامتها،
وحفْظ
مكانتها
سمّاها سورة
النساء
الصغرى، وهي
سورة الطلاق.
وأنزل
الله سورة
سمّاها
باسم المرأة
المجادلة عن
حقوق المرأة
التي
يتجاهلها
بعض الرجال،
في حين أنّ
القرآن لم
يذكر للرجال
أي سورة ولو
صغيرة. وقد
جسّد النبي
صلى الله
عليه وسلم هذه
الكرامة
بقوله وفعله
فلقد كانت
آخر وصاياه
يوصي
بالصلاة
وبالنساء: "أوصيكم
بالنساء
خيراً"(4).
لذلك
نالت المرأة
تكريم
الإسلام في
القرآن والسنة،
وها أنا
أدلي بدلوي
في تكريم
المرأة
المسلمة
بوصية لعل
الله أن
ينفعها بها،
وأفتـتح
وصيتي بالأم
الحنون.
1- أيتها
الأم الحنون:
أوصيك بعد
أداء طاعة
الله
والقيام
بها، وبعد
تـقوى الله
ومحبته ومخافته،
أوصيك
بأولادك
وبناتك،
كوني لهم خير
مُعين من غير
عنف ولا
سيطرة، ولا
تحقيق رغبة
لك، انظري
لأولادك أنهم
آنية فارغة
نقيّة
املئيها
بحنانك وعطفك
وإحسانك،
تلطّفي بهم
صغاراً، وآخيهم
شباباً،
وقدّريهم
شيباً
ليعودوا
عليك بعطفهم
الذي
استمدّوه
منك،
وحنانك
الذي تغذَّوه
منك،
وإحسانك
الذي تربوا
عليه،
فيكافئوك وهم
يشعرون
بالتـقصير،
ويبذلوا لك
وهم يعترفون
بما قدّموه من
يسير،
ويخدموك هم
وأولادهم،
وهم يتيقنون أنهم
ما قاموا
بحقك، ولا
بواجب يسير.
أيتها
الأم
الرؤوم: إنّ
أولادك عندك
أمانة تربيتهم
وأخلاقهم
ودينهم،
فاغرسي فيهم
من الطفولة
كمال الوقار
للمحسن،
وتمام
الأداء للمعطي
والشكر
المتواصل
للمنعم.
اغرسي
فيهم الصدق
في القول
والعمل،
ازرعي فيهم
توقير
الكبير،
ورحمة الصغير،
والتفضّل
على المسيء،
وجّهي
أولادك وبناتك
إلى
المعاملة
الحسنة مع
أخواتهم وأولاد
جيرانهم ومع
الضيوف
كباراً
وصغاراً، أدّبي
أولادك على الطاعات،
ورغّبيهم في
العبادات،
وعلّميهم
الصلوات،
ودرّبيهم
على الصيام،
وحبّبيهم
بالعلماء والصلحاء،
واختاري
لهم الرفقاء
والجلساء،
فإنّ الأولاد
نسخة عن
جلسائهم.
أيتها
الأم
الصالحة:
أصلحي بينك
وبين أولادك بأن
ترفعي
الهيبة
والسيطرة
عنهم،
وتـفتحي لهم
صدرك،
وتعامليهم
معاملة
يطمئنون بها
إليك،
فعندها
يبوحون لك
بأسرارهم،
ويكشفون لك عن
أحوالهم،
ويفصحون لك
عن رغباتهم،
فلا تضيقي
بهم ذرعاً،
ولا تظهري
لهم جزعاً
ولا تأثراً
ولا تردي لهم
جحوداً
وإنكاراً
فتخسري
معرفة
أسرارهم
ويغيب عنك
كثير من
أحوالهم،
ويكتموا عنك
ميولهم،
فيفسدوا
وأنت لا
تعلمين،
ويخطئوا وأنت
لا تدرين،
ويسيئوا
وأنت لا
تشعرين،
يظهرون الاحترام
والأدب
عندكِ فإذا
خرجوا ظهر
منهم ما ليس
بالحسبان من
الخطايا
والنقائص
والعصيان.
تـفاهمي
معهم
بالحكمة،
وصحّحي
أخطاءهم بالموعظة،
ونوّري
أفكارهم
بالهداية،
واعرضي لهم
الأمثال ممن
أساءوا ماذا
حلّ بهم،
والذين استـقاموا
كيف نجحوا
وسعدوا.
واحرصي
كل الحرص على
الأولاد،
وخاصة
البنات،
كوني راعية
لهم متـفقدة
لأمورهم،
مهتمة بهم
كما
تهتمين بشتلة
الفل والورد
والزنبق،
لاحظي ابنتك
في تصرفها،
وفي خروجها
وعودتها،
حذّريها من
السوء وصحبة
أهله، وما
ينتج عنه من
فساد وخسران
وأعلميها أن
لا تميل إلى
أحد من
الشباب،
فإنهم عنصر
اللهو
والعبث.
ذكّريها
بالله،
وخوّفيها من
لقاء الله،
وأنذريها
بطش الله،
ورغّبيها
بمغفرة
الله، وطمّعيها
بجنة الله للطائع
المستـقيم،
فإن بلغ
الأولاد
مبلغ الزواج
فاختاري لهم
الدين أولاً
قبل الجمال
والحسب والمال.
اسألي عن أم
الفتاة
ودينها
وحياتها مع زوجها
وأخلاقها،
فإن كانت
صالحة
فاسألي عن
الفتاة فإن
كان فيها صفة
الخلق
والدين
والقناعة
فهي كنز مخبوء
فيه السعادة
الكاملة،
وإن فقدت
واحدة منهن كانت
بلاء وشقاء،
وإن كانت
أجمل النساء
وأغناهن،
وتيقني أنّ
جمالها
ومالها لن
يعوض عنها ما
خسرت.
وإن كانت
ابنتك بلغت
مبلغ
الزواج، فاختاري
لها الشاب
الديّن
الصالح،
الذي إن أَحَبّها
أكرمَها،
وإن
أَبغضَها لم
يهِنْها،
الشاب
المُجِدّ
العامل
بنشاط في كسب
رزقه من
الحلال.
وإياك أن
تسألي عن
ماله
وأملاكه ووظائفه،
فإنّ الزواج
اقتران
مكافئ، وليس
بيع أو شراء،
فإن اخترت
المال فقد
رضيتِ بيع
ابنتك، وإن
وجد المال
والصلاح
فذاك فضل
الله يؤتيه من
يشاء،
واسمعي قول
النبي صلى
الله عليه
وسلم:
ح
ـ "إذا أتاكم
من ترضون
دينه وخلقه
فزوجوه إلا
تفعلوا تكن
فتـنة في
الأرض وفساد
عريض" (5).
وعلى كل
حال، اصبري
على تربية
أولادك
وكوني لهم أم
الحنان، أم
العطف
واللطف، أم السكينة
والأمان، أم
الفضل
والإحسان،
لتعطي المجتمع
أعظم هدية،
وأرفع عطية،
أبناء الاستـقامة
والصلاح،
أبناء العلم
والإيمان،
أبناء
الكرامة والمجد
والنشاط
والجِد،
وليكونوا لك
عوناً
ومعونةً في
كِبَرِكِ
وذخراً لك
بعد الموت
بهم تثـقل
حسناتك،
وبهم ترتـفع
درجاتك وينتـشر
صيتك
فتستحقين
الرحمة بكل
نظرة لهم.
2-
وأثَـنّي
وصيتي
بالأخت
الحبيبة،
الجليسة الأنيسة،
الواعية
اللطيفة،
المساعدة
العفيفة، يا
من نظرتْ
إليكِ
أُمُّـكِ
أنك عون الحياة،
ورفيدة
الآلاء،
ونظر إليك
أبوك أنك محط
الآمال العطوف
على إخوتك
الرجال،
وأنَّك
منتهى بلوغ
الآمال،
ونظر إليك
أخوك أنك بيت
أسراره، وحاملة
همومه،
وواسطة
مراده.
أيتها
الأخت، إنّ
لك الدور
الأعظم في
بناء الأسرة
وتكوينها،
وحزنها
وسرورها،
إنّك همزة الوصل
بين
الوالدين،
وهاتف
الاتصال بين
الأخوين،
والمعبّر
للوالدين عن
حاجات
الأخوة. فكوني
واعية
لدورك، واجعلي
صدرك إناء
مقفلاً على
كل حديث، فلا
تـنطقي بكل
ما تسمعين،
ولا تبلّغي
كل ما
تُبَلَّغينه،
بل انتـقي
الكلام
انتقاءً ،
وقولي ما فيه منفعة
ووفاء
وقاربي بين
وجهات
النظر،
وحقـقي
الأمل بما
تريدين بعد
كثير
الفِكَر.
وإياك ثم
إياك أن
تـقطعي
علاقتك
بأخيك فإنه بحاجة
إليك، ولا
تعرضي عن
أختك فهي
بأمس الحاجة
لنصيحتك،
فأنت في
البيت
كالأميرة،
وبالنسبة إلى
والدتك
كالوزيرة،
فعلى عاتـقك
يقع تـنظيم أمور
الأسرة،
وعلى علمك
وحلمك يخيم
الهدوء والسكينة
في كل حجرة،
فاسعي بحكمة
العاقل، وادرسي
الأمور بعقل
الحكيم،
ونظّمي
مسيرة البيت
بوعي العليم
تـنالي من
الجميع
التـقدير
وتدركي من كل
أهل البيت
التبجيل مع
ما لك عند
الله من
الأجر
الجزيل.
3-
وأثلّث
وصيتي للبنت
الطالبة أو
القعيدة:
اعلمي يا
ابنتي أنك
أمل والديك
وسكن
قلبيهما،
وهدوء
نفسيهما،
وقرة
عينيهما،
ينظران إليك
وأنت طفلة
بعين
الحنان،
فإذا بلغت
نظرا إليك
بعين
التـقدير
والاحترام
يرون فيك
بنّاءة
الجيل، وأم
المستقبل
لذلك يبذلون
إليك الغالي
والرخيص،
يحلّونك(6) من
صغرك،
ويزيّـنونك
في كبرك
ويتجملون بك
في الزيارات
ويكرّمونك
أعظم الكرامات،
فاحرصي يا
ابنتي على
كرامتك،
وأدّي الهمة
لدراستك،
وجدّي واجتهدي،
ولا تفكّري
إلاّ
بمستـقبلك
الذي إليه تـتطلعين
و به
تـفكرين،
وإليه تسعين.
فابنيه من
بداية حياتك
على أساس
متين،
ورصّي
بنيانه
بالأخلاق،
والحشمة
والدين،
وارتـفعي
ببناء
سعادتك
بلبنات
العفة
والحياء
والاستـقامة،
ليرتـقي
شاهقاً من
غير ملامة،
ويصبح موئلاً
لكل كرامة.
وتيقّني
يا ابنتي أن
لكل نعمة
حاسداً،
ولكل صلاح
فاسداً،
ولكل كمال
ناقصاً،
والخفافيش يضرهم
نور الشمس،
والصراصير
يخشون في
الظلام الحس.
وكذلك يا
ابنتي هناك
من يترصد
فسادك ليذهب
كرامتك،
ويضيع
عفّتك،
وهناك من
يختبئ وراء
صحبته ليفسد
حياءك، وإنّ
منهم من ينحرف
بكلامه
ونطقه،
ويلين
بعباراته
ولفظه لينحرف
بك عن
الاستـقامة
ويوقعك
بالهوان
والندامة،
يسمعك
العبارات
المنمّـقة
العاطفية التي
يستميل بها
كل فتاة
بريئة، وقد
اتخذها مصيدة
لشرف
الطاهرات،
وفخاً ليوقع
به العفيفات،
وهو ذئب يلبس
جلود النعاج
ويدور
ساعياً في
الفجاج ليرى
النحلة
النائية
فيفترسها
غير راحم لكرامتها
ثم يتخلى
ويحمّلها
إثم إساءتها.
واعلمي
يا ابنتي، لو
كان طاهراً
عفيفاً لما تعرّض
لك، بل لذهب
إلى دارك
ولقابلَ
والدَك وطلبَ
يدَك على
الشرع
المصون،
ولكنه اتخذ
الفتيات
ألعوبة يعبث
بها حتى إذا
خلا بها وبث
سمّه رماها،
وأعرض عنها
والتـفت إلى
غيرها، وهو
ينظر إليها
نظر
الاحتـقار
والازدراء
متّهماً لها
بأنها ساقطة
وفاسدة،
وأنه تركها
لفسادها فتكونين
ضحية لسلامة
قلبك وصفاء
روحك، ولسترك
لحالك عن أمك
ولعدم وجود
من
يحَذِّرُك
ولو وُجِدَ
من يُحَذرُك
لغلبت
عاطفةُ حبك
كل نصيحة.
فيا
ابنتي خذي
مني نصيحة لا
تـنسينها،
لا تثـقي
بشاب مهما
كان لطيفاً،
ولو رأيت
عليه إشارات
تدل أنه
عفيف، ولو
رأيت أثر
السجود بين عينيه
وأثر البكاء
على خديه،
ولا تميلي
لشاب مهما
كان جميلاً
وإن رأيت
النور بين
عينيه، فكم
من شاب كان
تـقياً
أفسده
الشيطان
بخلوة، وكم
من صالح نقي
فسد صلاحُه
بنظرة.
يا
ابنتي،
تـفهّمي من
أنت، أنت
أيتها
الفتاة جوهرة
ثمينة وياقوتة
نفيسة،
ولؤلؤة
فريدة، وزبرجدة
وحيدة، ما
دامت في لجام
الجواهر عند
أهل الجوهر،
فإذا وصلت
إلى أيدي
الأولاد
العابثين أضاعوا
ثمنها، وأرخصوا
قيمتها،
ولطخوها
وكسروها فصارت
أرخص من
قارورة
مكسورة، وإن
بقيت في لجامها
عند أهلها
أتى إليها
أهل الكمال
فطلبوها
بثمنها،
وقدّروها
وأعزّوها
على الرؤوس،
فاعتزّت
واعتزّوا
بها.
ابنتي
أيتها
الفتاة،
حافظي على
كرامتك، وصوني
عفتك،
وطهّري
سمعتك،
وكرّمي
أهلك وانشغلي
بدراستك،
وأدّي لله
طاعتك،
واتـقي ربك
وزيدي في
إيمانك
وراقبي مولاك،
واخشعي بين
يدي خالقك،
واستـقيمي
على تعاليم
دينك،
واخطبي
الكمال
بأخلاقك
لتكوني بحق
أماً لتربية
المجتمع،
ومصدراً
راقياً لبناء
الجيل.
4- ووصيتي
لك أيتها
الزوجة
المخلصة
والشريكة الوفية،
والأنيسة
الصفيّة، يا
مودة الوفاء
ورحمة
الصفاء، يا
سكنَ القلب
والفؤاد وطمأنينةَ
النفس،
وهدوءَ
البال، يا
مخففةَ الهموم
وملطّفةَ
الأحزان، يا
سرَّ أسرارِ
القلب،
وأنسَ أنسِ
الحب،
ووُدَّ
وُدِّ الوُدّ،
يا من جعلك
الله باب
سعادة
الحياة،
ومفتاح نجاح
الرجال
والدافعة
لتحقيق نصر
الأبطال، يا
خزينة
الأموال
وحافظة سر
الأحوال
ومربية
الأطفال،
يا من
يعجز قلمي عن
وصف ما أعطاك
الإسلام من التـقدير
والتبجيل
والاحترام،
أنتِ التي من أجلك
يتحمل
الرجالُ
المخاطرَ،
ويسعون لتحقيق
أَمَلِك بكل
خاطر، أنتِ
التي تحضنين
الفتى بعد
مفارقة أهله
وتحيطين به
بودك
لتسعديه بأهله،
أنتِ التي إن
أتـقنت
الأمر الذي
وُكِلَ إليك
فتحت أبواب
السعادة
التي تسعى
لديك، وإن
أهملت ما
طُلب منك
أمسيت على
وهم وسراب
يضيع فيه كل
أمل عندك.
______________________________________________________________________
(1) (م: 49:
الحجرات-الآية13).
(2) (م: 2:
البقرة-
الآية 228).
(3) رواه
البخاري في
الجزء
السابع ص 34.
(4) رواه الديلمي
عن جابر.
(5) رواه الترمذي
والنسائي
وابن ماجة عن
أبي هريرة.
(6) يحلّونك
من
الحلية.(اللسان
والقاموس
والتاج:حلى).
|