بسم
الله الرحمن
الرحيم
أيها
المريد:
أوصيك بصدق
الطلب
والإخلاص
للمطلوب،
وذلك يحتاج منك
إلى
التـشمير عن
ساعد الجد،
وبذل الجهد،
وارتـقاء
العزيمة
وشحذ الهمة.
فإذا
أردت أن تكون
من الأشداء
عزماً،
الأوفياء
عهداً ،
الصادقين
وعداً،
فسبيل ذلك:
أن
يكون ظاهرك
موافقاً
للكتاب
والسنة وما
أجمع عليه
المسلمون،
مع كمال
الاستـقامة
على
العبادات،
وأداء الطاعات،
ودوام
الأوراد،
وكثرة
الأذكار،
وأن تكون على
طهارة ما
استطعت، وأن
تحفظ للخلق
حقوقهم، وأن
تحب الخير
لهم.
وأن
يكون باطنك
مؤمناً
بالله وما
أنزل على
رسوله
إيماناً تـتعهده
في كل لحظة،
وأن تـتحقق
بمراقبة
الله لك على
كل نفس،
وشهوده لك
على كل عمل،
وحضوره معك
على كل حال.
وإياك
وحب الظهور
والغرور،
وعليك أن تحب
الله حباً
يأخذ عليك
مجامع قلبك،
ويقيد جميع
جوارحك،
وعلامة الحب
التزام
الطاعة، ومن
انتسب إلى
الحب وهو في
المعصية
غارق فهو
مُدَّعٍ.
وأوصيك
أن تكون عفيف
النفس
خائفاً
لمقام
مولاك،
مُطمئِناً
قلبك بذكره،
فإن الذكر صيقل
النفوس،
وجلاء
القلوب،
وعليك
بمحاسبة
نفسك وإدانتها
والعمل لما
بعد الموت.
أيها
المريد: إياك
أن تعتمد على
الأحوال
والأنوار -وإن كانت
على الطاعات
منشطات- ولو
فُتح عليك
فيض من
الأسرار؛
فان الكُمَّل
من الأبرار
وأهل الارتـقاء
من العارفين
الكبار من
يكون اعتمادهم
في ظاهرهم
وباطنهم على
الشرع
المطهر.
واعلم
يقيناً أن كل
حال أو نور
أورثَ في
النفس
فتوراً عن
الطاعة، أو
ضعفاً في
العبادة، أو
إهمالاً في
الخشية، أو
شغلاً عن
المراقبة،
فإنما هو حال
ونور شيطاني
يجب على
المريد أن
يفر منه كما
يفر من
المعصية
والكبيرة.
والحال
الحقيقي
والنور
الكامل ما
أورث تواضعاً
في الخُلُق
وذلاً للنفس
بين يدي الله
تعالى،
واستصغاراً
للهوى،
ورؤية القلة
في العبادات
وإن كثرت،
وارتـقاء
الهمم في
الأذكار والعبادات
مع لذة
القيام
بالأسحار
ووجود الطرب
والهيام
بالأوراد.
أيها
المريد: إن
أردت الوصول
إلى مقامات
الشهود
فالزم الأصول
التي منها
فهم القرآن
الكريم،
وذكر الرحمن
الرحيم،
ومجالسة أهل
العرفان،
والتأدب مع
روحانية سيد
الأكوان في
السر
والإعلان.
أيها
المريد:
إنّ الحجاب
الأوحد
والباب
الموصد دون
قربك وصفاء
قلبك هو النفس
التي تزين
البطالة
بالراحة،
والذكر
بتوهم الحضور،
والضعف عن
العبادات
بمقام
الشهود، والشهوات
بأنها لك
مخلوقات، والغفلات
على أنها
مرفهات،
والرياء
بحضور
المجالس على
أنه إخلاص،
وفتور الحب
على أنه
امتحان.
فأدِّبها
بإذلالها
فالذل باب
عزتها، وعلِّمها
كثرة التواضع
فالتواضع
باب رفعتها، واحذر كل
الحذر منها،
وحاسبْها
على كل صغيرة
وأدِّبْها
على كل
حقيرة، ولا
تـتهاون في
معاقبتها على
كل خطرة، ولك
في ذلك
ميزانان:
الأول:
حديث النبي صلى الله
عليه وسلم:
"البر ما
اطمأنتْ
إليه النفس
والإثم ما
حاك في الصدر
وكرهتَ أن
يطَّلع عليه
الناس" (1).
والثاني: أنّ كل ما
أرادته
النفس
بالميل
للذّتِها
والشغف فيه
والتـشوف
إليه يسبب
الحجاب
ويبعد عن الباب،
ما لم تخلص
فيه النية
لرب الأرباب.
أيها
المريد:
إن أردت
القرب
القريب الذي
تـنال به
عطاء المجيب،
فهو قيامك
بالأسحار،
وكثرة العمل
بالأوراد
والأذكار،
ومجالسة
الأبرار
الأخيار،
والاجتهاد
بالإخلاص
لله لإدراك
السر
والأسرار،
فهي باب
الإنابة
ومحراب
الولاية.
أيها
المريد:
لا تـنسَ أنّ
الإرادة هي
القصدُ
الصادق لهدف المريد
العاشق
بالتوجه إلى
ما أراد الله
ورسوله، لا
إلى ما تريد،
وتحقيق ما
طُلب منك لا تحقيق
ما
طَلَبْتَ،
وتـنفيذ
مراد الحبيب
لا مراد القلب
السليب.
فصِدقُ
الإرادة
فناء إرادتك
في مرادات
الحبيب
المصطفى،
وإذابة
مرادك في
مراد طريقة
أهل الوفا،
ومن صدقتْ مع
الله
إرادتُه نال
من الله مراداته.
أيها
المريد:
إياك أن يضعف
مع الشيوخ
رباط روحك،
أو يصل الوهن
إلى صلة حبك،
فإن أرواح
العارفين
مُطْلَـقَة
غير مقيَّدة
بإذن رب
العالمين،
فهي مُمِدّة
لأحبابها في
الدنيا
والبرزخ
وإلى يوم
الدين، لا
يحجبها موت
ولا يبعدها
فقد الأجساد.
وعليك
أن تبقى
مرتبطاً بما
تعلمتَ منهم
من شرع، وما
أخذتَ عنهم
من أدب، وما
سلكتَ معهم
من خُلُق.
واعلم أن
ميزان
ارتباطك
يُـقـيّد
بتـنفيذ أحكام
الدين،
وملازمة
الطاعة لرب
العالمين، وما
سمعت وتسمع
من خلق وأدب
عن سيد
المرسلين، وإياك
أن تظن أنّ
المودة
انقطعت
بالموت، وأنّ
الصلة حجبت
بالفقد،
وأنّ الرباط
انقطع بالفراق،
فهذا ظن
الذين خسروا.
فإنّ
للشيوخ على مريديهم
حقاً أكبر
بعد
انتـقالهم؛
من ملازمة
تلاوة القرآن
وهِبَـته
لهم، وكثرة
العبادات
والفرائض
وهِبَة مثل
ثوابها لهم،
وكثرة
الصدقات من
غير تبذير
ولا إسراف
على
أرواحهم،
والوفاء لأهلهم
وملازمة
محبة
أحبابهم
وتـقدير
محبيهم،
وطلب الدعاء
ممن أخلص في
مجالستهم،
فالشيخ
الحق،
والصديق
الصدق، من
كان جسده مع
الخلق وقلبه
مع الحق، ومن
كان جسده في
الثرى وروحه
في الثريا،
وليس بشيخ من
لم يعرف طرق
السماوات أكثر
من الأرض.
وأخيراً
أيها المريد:
كن مع الله في
سرك وجهرك،
ولازم على
مراقبته في
ليلك
ونهارك،
واشهد شهوده
لك في بيتك
وسوقك،
واستـقم على
شرعه في نطقك
وخُلُقك،
ودقق النظر
في درهمك
ودينارك،
وتحقق في
طعامك
وشرابك أن
يدخل فيه
شبهة أو غير
ذلك، واعمل
بإخلاص النية
والعمل مع
شدّة الخوف
والوجل
والحذر من أن
تُرَدّ ولا
تُـقبَل.